بقلم الأستاذ الدكتور بشير جرار
اقتنيت منذ فترة طويلة النسخة العربية لكتاب “الدليل الكامل للتحكم في الذاكرة” لمؤلفه “هاري لورين” الخبير العالمي الرائد في مجال تدريب العقل والذاكرة. وقد قامت مكتبة جرير أحد دور النشر الرائدة بالمملكة العربية السعودية بترجمته للعربية. تمكنني االعطلة بين الفصول الدراسية لأنجز مما أجلته لفترات طويلة. وللحقيقة الإشتباك مع الشيخوخة وتأثيرها على الذاكرة له دور باهتمامي بهذا الكتاب.
تناول الكتاب وسائل التحكم في الذاكرة وتنظيم قوة العقل من خلال مجموعة من الاستراتيجيات الذهنية والسلوكية التي تساعد على تحسين التركيز وتقويتها، وزيادة كفاءة التفكير. وأسرد فيما يلي وبعجالة أهم هذه الوسائل التي ركز عليها الكتب لتعزيز الذكرة وتنظيم قوة العقل:
الوسائل الذهنية والمعرفية: لخصها هاري لورين بالتقنيات التالية:
- تقنيات الحفظ الفعّال : كاستخدام الروابط الذهنية، مثل اختصارات الحروف أو الجمل المركبة والربط بين المعلومات الجديدة والمعروفة سابقًا.
- تقنية القصر الذهني: كتخيل مكان مألوف وربط أجزاء من المعلومات بأماكن محددة فيه.
- التكرار المتباعد: كمراجعة المعلومات على فترات متباعدة ومنتظمة، وهي طريقة مثبتة لتعزيز الذاكرة طويلة الأمد.
- التلخيص والتدوين: لا سيما كتابة ملخصات بصيغة مفهومة، تساعد في ترسيخ المعلومة.
- التصور العقلي : كتحويل المعلومات إلى صور ذهنية أو مشاهد لتسهيل استدعائها لاحقًا.
ثانيًا: العادات والسلوكيات اليومية: ركز الكتاب على جملة من العادات والسلوك اليومي التي تساهم في تقوية الذاكرة وتنظيم وظائف العقل وأهمها:
- النوم الجيد: النوم من 7–9 ساعات يوميًا ضروري لترسيخ المعلومات في الذاكرة.
- التغذية الصحية: وأهم هذه الأغذية التي تدعم الدماغ: السمك، المكسرات، التوت، الشاي الأخضر، والأفوكادو.
- ممارسة الرياضة: تحسن التمارين الهوائية (كالمشي والجري) تدفق الدم للدماغ وتعزز وظائفه.
- شرب الماء بانتظام: يؤثر الجفاف على التركيز والذاكرة بشكل قاطع.
ثالثًا: تقنيات الانتباه والتركيز: ومن أشهر هذه التقنيات
- تقنية بومودورو (Pomodoro):: يمكن تحسين التركيز من خلال تنظيم العمل لمدة نصف ساعة ثم أخذ استراحة قصيرة لا تزيد عن 5 دقائق لتحسين التركيز.
- الابتعاد عن المشتتات: ويتصدر ذلك العمل في مكان هادئ.
- التأمل وتمارين الوعي الذهني: تقلل تمارين التأمل أو التنفس العميق التشتت وتعمل على تحسين الانتباه.
رابعًا: التحفيز العقلي المستمر: يتم ذلك من خلال اتباع العديد من الأمور منها:
- تعلُّم أشياء جديدة باستمرار: كتعلم مهارة جديدة.
- حل الألغاز والألعاب العقلية :مثل الكلمات المتقاطعة، ولعبة الشطرنج.
يقدم هذا الكتاب نصيحة أساسية أن نبدءبخطوة واحدة فقط يوميًا، ولا نحاول تطبيق كل شيء دفعة واحدة، فالعقل يحتاج إلى التدرج مثل الجسم تمامًا. وقد قدم لكتاب الكثير من النماذج لأنشطة يومية لتعزيز الذاكرة وتنظيم عمل العقل‘ أنسبها لي هذا الجدول اليومي اخترته لكم أيضاً:
● الإستيقاظ مع شروق الشمس وشرب الماء وممارسة التنفس العميق لمدة لا تقل عن 5 دقائق. وهذا من شأنه تنشيط الجسم والعقل.
● تمارين تأمل لمدة 15 دقيقة حيث يساعد هذا الأمر على تقوية التركيز وتقليل التوتر
● رياضة خفيفة او تمارين منزلية لمدة 20 دقيقة لأجل تحسين تدفق الدم للدماغ.
● تغذية الدماغ من خلال فطور صحي يشتمل على البيض والجبنة البيضاء، فاكهة لا سيما الموز ولأفوكادو والشاي الأخضر.
● إذا ما كنت ما تزال على رأس عملك ولم تذهب للتقاعد عليك باستخدام تقنية بومودورو لتعزيز الإنتاجية والذاكرة العاملة. وإن كنت من هم على المعاش الأفضل لذاكرتك تعلم شيء جديد من خلال القراءة أو تعلم لغة جديدة لتكوين روابط معرفية. وكاتب هذه السطور سيتوجه إلى تعلم اللغة العبرية حال ذهابه إلى التقاعد.
● بالمساء وبعد يوم العمل استمتع بأحد الألعاب الذهنية كالشطرنج ولا أقلها الكلمات المتقطعة كتمرين للذاكرة والإنتباه.
● الإبتعاد ما أمكن عن الشاشات من خلال التأمل والقراءة والاستمتاع بالغروب لتهدئة الدماغ قبل النوم.
● النوم المبكر لتخفبض الضغط عن الدماغ.
شعرت بالسعادة وأنا أتنقل بين صفحات هذا الكتاب، فأنا أحوج لتعزيز ذاكرتي في مواجهة الشيخوخة، إلا أن أمراً أغفله الكتاب بينما شددت عليه كثير من االإصدارات العلمية وهو دور الموسيقى في تهدأة الدماغ وتعزيز الذاكرة. فكما هو معروف، تستثير الموسيقى مناطق بالدماغ لا سيما الحصين (قرن آمون) مركز تخزين الذكريات القديمة والحديثة. والمقصود هنا الموسيقى الهادئة كمعزوفات باخ وفيفالدي التي تساعد على تهدئة التشتت وزيادة التركيز أثناء الدراسة أو العمل وتحسين الحالة النفسية. فقد أظهرت دراسات على مرضى الزهايمر أن الموسيقى المألوفة تحفّز الذكريات وتزيد التفاعل العقلي. وبهذا السياق يجب التأكيد على أهمية الإبتعاد عن الموسيقى ذات الايقاع السريع التي تشتت الانتباه عند الدراسة أو القراءة.