تقع بركة العرايس بقرية ملكا شمال غربي الأردن في لواء بني كنانة بمحافظة إربد على بعد نحو 1 كم جنوب نهر اليرموك، وإلى الشرق من موقع الحمة وقرية المخيبة الفوقا بحوالي 4 كم وهي من أكبر البرك المائية الموجودة بالوطن العربي. وفي رواية سميت ببركة العرائس حيث اعتاد العرسان (العريس والعروس) من أبناء المنطقة السباحة بها من باب التبرك بمياهها. ويروي البعض سبباً آخر لتسمية البركة حيث كانت حفلات الأعراس بقرية ملكا تقام على ضفاف البركة، وذات مرة أتت فيضانات قوية تسببت بموت العروسين ومن كان يحتفل معهما بالقرب من البحيرة. وتخليداً لذلك سميت “بركة العرايس”.
وتُعد بركة العرايس الوحيدة من نوعها في الأردن وهي عبارة عن حفرة طبيعية غائرة، عمقها يصل إلى نحو 50 متر ومحيطها نحو 1.5 كم، ومساحتها الأصلية حوالي 10 دونمات. وتعتبر بركة العرائس محمية طبيعية نادرة ذات قيمة تراثية وبيئة متميزة في الأردن، تجذب الزوار خصوصًا في الربيع والصيف وتشكل محطة حيوية للطيور المهاجرة، ما يجعل لها أهمية كبيرة للمراقبة والدراسات البيئية والسياحة البيئية.
تشكل الأمطار المصدر الرئيسي لمياه البحيرة إضافة إلى مياه العيون/الينابيع مثل “عين محارب”، ويُعتقد بوجود نبع داخلي يحافظ على مستوى مائي مستمر لها. وتعتبر هذه العيون عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على مستوى مائي مستقر نسبياً رغم التقلبات المناخية، مما سمح بوجود بيئة مائية غنية بالحياة البرية والنباتية. ويحيط بالبحيرة أشجار كثيفة من البلوط والزعرور والعبهر والقيقب وغيرها.
ضمت مياه هذه البركة ومحيطها نحو 63% من التنوع النباتي والحيواني في الأردن ضمن محيط محدود، مما يجعلها موقعًا فريدًا بيئيًا. وقد تم تسجيل العديد من الكائنات المائية التي سجلت بهذه البركة منها:
السلحفاة الإغريقية (Mauremys rivulata) (: وهي من الأنواع النادرة والمعرضة للانقراض، وكانت تعتمد بشكل أساسي على مصدر ماء البركة وجودته لغذائها.
الضفادع: وثق علماء الزواحف والبرمائيات الأنواع التالية من الضفادع والعلاجيم في مياه بركة العرايس: الضفدع الأخضر (Pelophylax spp.)، ضفدع المستنقعات، وهو العلجوم (Toad) الوحيد الموجود في الأردن وضفدع الأشجار (Hyla savignyi).
الطيور المائية والمهاجرة: تم تسجيل أكثر من 100 نوع من الطيور المقيمة أو مهاجرة تمر بالبركة سنويًا وبمعدل 1.5 مليون طائر يمر عليها عبر مسار الصدع السوري – الإفريقي (ثاني أهم مسار عالمي للطيور المهاجرة). ومن أبرز هذه الطيور كل منصائد السمك الأبقع، الرفراف، (الوروار)، مالك الحزين الرمادي (heron)، البلشون الليلي، البلشون الأبيض، بلشون الماشية، الزقزاق الشامي، الوروار الأوروبي، الغرة، دجاجة الماء، الغطّاس، وعدة أنواع من البط.
الثدييات: تم رصد عدة أنواع من الثدييات البرية حول البركة، منها: النمس المصري (Egyptian mongoose)، الثعلب الأحمر (الشوندري)، ابن آوى، الذئب العربي، الضبع المخطط (الضبع السوري)، القط البري، والقنفذ الأوروبي.
الزواحف والثعابين: احتضنتالبركة ومحيطها عدد كبير من أنواع الزواحف المسجّلة في الأردن، فقد أظهرت الدراسات الميدانية وجود مجموعة كبيرة من الزواحف الأخرى بمياه البحيرة ومحيطها، منها الثعبان المائي (Natrix tessellata) والأفعى الفلسطينية، إضافة لعدد كبير من أنواع العضيات، الأوزاغ، الحراذين وغيرها من السحالي.
الأسماك: بركة العرائس موطنًا لأنواع من الأسماك مثل: الزوري (Chondrostoma regius) التي تتغذى على العوالق ويرقات الحشرات إضافة إلى أسماك البلطي.
الحشرات: تم تسجيل تجمعات كبيرة من اليعاسيب والحشرات المائيّات والتي تُعد مؤشراً حيوياً على صحة المياه والبيئة مكانياً.
النباتات العطرية والطبية: تم تسجيل ما يقارب 265 نوعًا نباتيًا داخل البركة وما حولها، تشمل أنواعًا صالحة للأكل، وآخرى طبية، وغيرها للزينة، بالإضافة إلى بعض الأنواع السامة. ويشمل ذلك العديد من النباتات العطرية والطبية النادرة، ومن أهم هذه الأنواع النباتية: الزعتر البري: (Thymus spp.) يُستخدم كغلي ليعالج مشاكل الهضم والبرد، ويُعد من الأعشاب العطرية الشهيرة في الأردن، إكليل الجبل (روزماري) نبتة عطريّة طبية تُستخدم لتخفيف الصداع وتقوية الذاكرة وتهدئة الأعصاب، الميرمية شائعة في مناطق المرتفعات ومسُتفّرة لأوجاع البطن والزكام، وتتمتع برائحة قوية وفوائد طبية معروفة، البابونج وله زهرة صفراء صغيرة تُستخدم كمهدئ ومشروب طبي لتخفيف الزكام والتقلّصات الهضمية، النعنع البريالمستخدم في علاج مشاكل البطن والسعال، ويُطهى كشاي علاجي أو يُستخدم كنكهة مع الطعام، والغار حيث يتستخدم أوراقه في الطب الشعبي كعشبة مطهّرة ومضادة للالتهابات ومكون منكه لبعض الأطعمة. وتجدر الإشارة إلى أن بعض هذه الأنواع نادرة أو مهددة، مما يزيد من أهمية حماية الموقع كموئل طبيعي يمثل تراثًا نباتيًّا فريدًا.
ويشير علماء البيئة بأصابع الإتهام إلى التغير المناخي كمسؤول أول عن الوضع الحرج لبركة العرايس. فقد شهدت المنطقة موسمًا مطريًا (2024-2025) بمعدل 255ملم كأضعف المواسم في تاريخ الأردن مما سبّب تراجعًا شديدًا في المياه المغذية للبركة كأراضي بلدات ملكا والمنصورة وأم قيس. ارتفع منسوب التبخر بفعل ارتفاع درجات الحرارة، خاصة أن موقع البركة يقع تحت مستوى سطح البحر بما يقارب 150 متر، مما زاد فقدان المياه إلى مستويات غير مسبوقة. وقد أدى ذلك إلى تقلص مساحة البركة من 10 دونمات إلى أقل من دونم ونصف ومن ثم الجفاف التام مما يُهدد بإنقراض الأنواع النادرة علاوة على خسارة كبيرة في التنوع الأحيائي.
وقد تكون أكثر الإجراءات إلحاحاً هو نقل بعض الأنواعالبرية والمائية إلى بيئات رطبة مثل السدود القريبة لحمايتها من النفوق وضخ مياه طارئة من نهر اليرموك لرفع منسوب المياه إلى الحد الأقل حفاظًا حتى موسم الأمطار القادم 2025–2026 بإذن الله .