عشاق القطط: ومن الحب ما أهلك

– بقلم الأستاذ الدكتور بشير جرار

اعتدت التردد على خيمة صديقي الشتوية التي ينصبها أمام منزله كل فصل شتاء حيث الدفيء والكنكنة والقهوة العربية والتمر الفاخر وشاي الفحم. وآخر زيارتي لصديقي كانت قطته تشاركنا المجلس وانشغل بها عنا وقدم لها الحليب بمعلقة تلوثت بلعابها وأدخلها بفنجان الشاي خاصتي وكان ذلك آخر عهدي بحب القطط، بل وبكل الحيوانات المنزلية.

    تحتل القطط مكانة خاصة في قلوب الناس حول العالم، وتظهر مظاهر عشقها بطرق ثقافية واجتماعية وفنية مختلفة. فالقطط باليابان هي رمز للحظ وهنالك العديد من الجزر اليابانية يفوق بها عدد القطط على عدد البشر. وكما تنتشر مقاهي القطط باليابان حيث يمكن للناس الاسترخاء مع القطط واحتضانها مقابل رسوم. وكما قدس المصريون القدماء ومنهم من عبد القطط وكانت مرتبطة بذهنيتهم بالإلهة “باستيت” (إلهة الحماية والأمومة). كذلك حنط الفراعنة القطط عند وفاتها، واعتبروا قتلها جريمة كبرى، ونقشت بيوت نبلائهم الفرعونية بالقطط. ويعامل الأتراك القطط كضيوف شرف في بيوتهم، وتطعم العامة القطط الشاردة. والفرنسيون أكثر شعوب أوروبا حباً للقطط  حيث يوجد أكثر من 13 مليون قط في المنازل الفرنسية، بينما يحتفل الأمريكيون بـ”اليوم الوطني للقطط”: يوم 29 أكتوبر من كل عام كيوم خاص بالقطط. وللقطط مكانة خاصة عند الروس حيث يسود لديهم اعتقاد أن القطط تجلب الطاقة الإيجابية للمنزل. وفي متحف الأرميتاج في سانت بطرسبرغ، هناك عشرات القطط “موظفة” لحماية اللوحات من الفئران.

 ما علينا من هذا الحب الفاتن!. للحقيقة، يصاب الإنسان بالعديد من الأمراض التي تصله عبر تعامله مع القطط، وتختلف طرق العدوى بين الخدش والعض، أو ملامسة البراز، أو من خلال براغيث القطط أو إفرازاتها لا سيما اللعاب منها. فيما يلي توضيح لأهم هذه الأمراض:

الأمراض البكتيرية: ومن أشهر هذه الأمراض

o مرض خدش القطة  (Cat Scratch Disease): تتم العدوى بهذا المرض من خلال بكتيريا (Bartonella hensalae) عبر خدش أو عض القطط، خاصة الصغيرة منها، أو ملامسة براغيث القطة الحاملة للبكتيريا. وتكون الأعراض على هيئةتورم في العقد اللمفاوية، وحمى وتعب وقد تصل الإصابة أحيانًا إلى الكبد أو العين أو الدماغ في الحالات الشديدة.

o الإصابة ببكتيريا باستوريللا (Pasteurella multocida):  يصاب عشاق القطط بهذا المرض من خلال الخدش، أو  لعق القطط على جرح مفتوح. وتتمثل الأعراض على هيئة التهاب سريع في الجلد خلال ساعات، وقد يمتد للعظام والمفاصل.

o  الطاعون (Plague): هذا مرض نادر في عصرنا لكنه قتل الآف البشر خلال العصور الوسطى وتسببه بكتيريا (Yersinia pestis)، تصل إلى الإنسان عبر براغيث القطط أو سوائل القطط المصابة. وتظهر الأعراض على هيئة حمى شديدة، تورم العقد، صعوبة في التنفس.

  o  الإصابة ببكتيريا السالمونيلا : تصل هذه البكتيريا الممرضة من ملامسة براز القطط وتسبب إسهال، حمى، وآلام بالبطن.

o الإصابة ببكتيريا المكورات العنقودية المقاومة للمضادات الحيوية: تحمل القطط هذه البكتيريا على جلدها أو وبرها وتتسبب للإنسان بالتهابات جلدية أو تنفسية صعبة العلاج.

الأمراض الطفيلية: ينتقل عن طريق القطط العديد من أمراض الطفيلية أهمها:

o مرض المقوسات  (Toxoplasmosis) : يصاب الإنسان بهذا الطفيلي عبر براز القطط الحاملة لهذا الطفيلي وهو خطير للحوامل  يسبب تشوهات جنينية.

 o مرض التوكسوكار  (Toxocariasis): يصاب الإنسان بهذا الداء من خلال تناول طعام ملوث ببراز القطط. يتسبب هذا المرض بحمى، تضخم الكبد، إصابة العين قد تنتهي بالعمى.

o الإصابة بديدان براغيث الشريطية الشريطية: يصاب الإنسان بهذه الديدان عبر ابتلاع برغوث مصاب وتتسبب بآلام بطن، وحكة شرجية.

  o الإصابة بالديدان الخطافية (Braziliense): تصل إلى الإنسان عبر اختراق يرقات الديدان الخطافية لجلد الإنسان بعد ملامسة براز القطط مسببة حكة شرجية

الأمراض الفيروسية: ومن أبرزها:

داء السعار  (Rabies): تصل العدوى يالسعار إلى الإنسان عبر العض أو اللعق على جرح مفتوح من قط مصاب. وهذا مرض قاتل يصيب الجهاز العصبي، يبدأ بأعراض شبيهة بالإنفلونزا ثم تشنجات وغيبوبة.

الأمراض الفطرية: ومنها

مرض القوباء الحلقية  (Ringworm) : يصاب الإنسان به عبر ملامسة جلد أو شعر القطط المصابة وتظهر بقع حمراء دائرية متقشرة على الجلد أو فروة الرأس.

مرض سبوروتريكوزيس (Sporotrichosis) يدخل هذا الفطر جسم الإنسان عبر خدوش أو عض القطط وتظهر الإصابة على هيئة تقرحات جلدية مزمنة، وقد يصيب الرئة.

      لا بد من الإشارة إلى أنه يموت في استراليا سنويا حوالي 550 شخص ويستشفي8500 آخرين بسبب القطط، ويسجل سنويا على مستوى العالمً  59 ألف حالة وفاة بسبب داء السعار الذي يصل إلينا عبر الكلاب بالأساس والقطط المصابة أيضا. وكما تقتل القطط بالولايات المتحدة الأمريكية 1,3-4 مليار طائر مهددة الحياة الفطرية. وفي أستراليا، تقتل القطط البرية (الضالة) أكثر من  1,5 مليار من الثدييات والطيور والبرمائيات والحشرات سنويًا، إضافة إلى مليون من الزواحف يوميًا.

      عشق البشر للقطط هو ظاهرة عاطفية وإنسانية عميقة، تمتد عبر الزمان والثقافات، وتحمل في طياتها أبعادًا نفسية واجتماعية وحتى روحية. وقد نالت القطط نصيبًا من المحبة والتقدير في الثقافة العربية، وعبّر العرب عن عشقهم لها بالشعر، والحكم، والأمثال الشعبية والحكايات والمأثورات.

  إنه عشق القطط يا سادة والعشق نار لا تبقي ولا تذر.

حفظكم الله من عشق القطط.