الرئيسية / صحافة / مقالات / الطبقية و حتمية الثورة

الطبقية و حتمية الثورة

التفاوت والتباين والتميز والإختلاف صفاتٌ كونية أفقية لا مجال لإنكارها مهما كانت الأحوال. فهناك الطويل والقصير، والغني والفقير، والعالِم والجاهل، والقائد والتابع، والسيد والتابع، وهكذا.

يأتي التفاوت على هيئتين أساسييتين، الأولى طبيعية لا يمكن تبديلها كالشكل والطول والعرض واللون والحجم وما شابه، والثانية من صنع الإنسان، قام بوضعها حتى يُمايز الأفراد عن بعضهم بعضاً. فالإمتحانات الموضوعية مثلاً تفرق بين المُجّد والكسول، والباحث المتعمق والسطحي، والذكي والغبي. وهذا ما يؤدي إلى الطبقية العلمية، وتؤدي بالتالي إلى وضع الحواجز بين العلماء والجُهال. وهذه الطبقية محمودة وضرورية. لكن ليست كل الطبقيات محمودة أو ضرورية !

هناك ما يُسمى الطبقية الاقتصادية – الإجتماعية. وهذا الشكل من الطبقية هو من صناعة البشر بامتياز. ويأتي على أنواع متعددة. منها ما هو بشري – طبيعي متعلق بذات البشر أنفسهم. ومنها ما هو مصطنع.

تنشأ الطبقية الإجتماعية الطبيعية من التنافس الحقيقي بين البشر. ومن المتوقع في ظل تكافؤ الفرص ( equal opportunity ) أمام الجميع، دون محاباة أو تحيز أو تمييز من أي شكل، أن يتقدم الأذكى والأقوى على الأضعف والأقل ذكاءً. ما يؤدي إلى تفوق الأول على الثاني، وبالتالي يكون الأول أغنى وأثرى وأكثر قدرة على اقتناص واغتنام الفرص المتوافرة. ويمكنني أن ألخص هذا الوضع في المصطلح الاقتصادي ” الحتمية الاقتصادية – الاجتماعية ”
( socioeconomic determinism ).
في ظل هذه الحتمية يكون البقاء للأقوى والأعلم والأكثر كفاءة وقدرة من الناحية الطبيعية المحضة. وهو المبدأ الذي اكتشفه  داروين ووضعه في نظرية التطور والإرتقاء، و أصبح أساساً للفلسفة السياسية الغربية.

أما الطبقية الاقتصادية – الاجتماعية المُصطنعة فهي تنشأ في المجتمعات الفاسدة حيث تُعطى الفرص لفئة دون أخرى. فعندما يكون التحيّز والتمييز على أساس العرق أو الدين أو الولاء السياسي هو المُحرّك الأساسي للنظام، تعمل السلطة الحاكمة على إقصاء البعض وتقريب البعض الآخر. فينعم المقربون بالفرص والموارد. ويستأثر هؤلاء بكل ما يمكن أن يقع تحت أيديهم. وتتمدد قدراتهم تدريجياً ليستولوا على مقدرات الدولة. ويقوموا بتدوير أنفسهم في عصب الدولة. ويشكلوا ما يُسمى ” الدولة العميقة “.  والدولة العميقة تتكون من أفراد غير رسميين، لكن لهم مصلحة حقيقية في إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه.

في ظل هذه الأوضاع يصبح الفاسدون هم الأغنياء وأصحاب السلطان السياسي والاجتماعي. ويعملوا على تشكيل الطبقة التي تملي شروطها على المجتمع، وتعمل على تجيير الأوضاع لمصالحها فقط.

تهيمن في دول العالم الثالث الحديثة حالة الطبقية الاقتصادية – الاجتماعية المُصطنعة. فمعظم أبناء الدولة العميقة في هذه الدول هم من أصحاب السلطان السياسي – الاقتصادي الذين لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بفعل عمليات المد والجزر المصطنعة، والإنتقاء المنظم لأصحاب الولاء فقط. وفي هذه الحالة لا يتقدم صاحب العقل بل صاحب الولاء مهما كان ظالماً ومتعسفاً. ولا يتقدم من يحب وطنه بل من يكون موالياً للزعيم المستبد. وفي هذه الأوضاع تموت المؤسسات ويسود الأشخاص غير الكفؤين. وتتهيأ الظروف لثورة الأكثرية العظمى من المحرومين على الأقلية المُترفة التي ينصب كل همها في تعظيم ملذاتها وشهواتها على حساب المحرومين وآلامهم.

في أحدث الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع ( The Imperative of Revolution ) وجد الباحثون، وتطبيقاً لمبادىء نظرية الفوضى ( chaos theory )، وهي ليست متعلقة بالفوضى الخلاقة، بأن ما يزيد على تسعين بالمئة من دول العالم الثالث ستكون مرشحة للبراكين السياسية، منها ثلاث عشرة دولة عربية !!!
نسأل الله أن يحمي الأهل والوطن …