الرئيسية / عمادة التعلّم والتعليم الالكتروني / رأي في التعليم الالكتروني – بقلم الدكتور حمزة الحوامدة

رأي في التعليم الالكتروني – بقلم الدكتور حمزة الحوامدة

من الآثار التي تمخضت عنها جائحة كورونا التي ضربت مختلف أنحاء العالم، دخول ظاهرة التعليم / التعلم الإلكتروني، أو ما يسمى أيضا التعليم عن بعد إلى حياتنا، وبشكل معمَّق. فكما تعلمون، ومع توقف الحياة في جميع دول العالم، لجأت الجامعات والمؤسسات التعليمية، على اختلاف أشكالها وأنواعها ومستوياتها التعليمية، إلى استخدام تقنية التعليم الإلكتروني بهدف مواصلة تحقيق رسالتها المتمثلة في التعليم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع.

وللحقيقة، فإن التعليم الإلكتروني ليس ظاهرة حديثة، بل إنه موجود ومستخدم في العديد من المؤسسات التعليمية العربية والأجنبية منذ سنوات، وذلك نتيجة التطور الذي حصل في مجال تكنولوجيا المعلومات. لكن استخدام أو انتهاج هذا النوع من التعليم كان محدودا، وكان يستخدم في ظروف وحالات معينة.

والأردن لم يكن بعيدا أو غريبا عن هذه الظاهرة. فقد نصت التشريعات الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على سبيل المثال على ضرورة أن تتضمن عملية التعليم الجامعي ما يسمى بالتعليم المدمج بنسبة لا تقل عن 25% من الخطة التدريسية. لكن هذا الأمر لم يكن مفعلا على الوجه الصحيح في مختلف مراحل التعليم، إلى أن جاءت جائحة كورونا، فتم تفعيل هذا النوع من التعليم وأقصد التعليم الإلكتروني، لأنه لم يكن مقبولا أو معقولا أن تتوقف المسيرة التعليمية التعلمية لمدة لا يعلم أحد متى تنتهي.

فما المقصود بالتعليم الإلكتروني؟ المقصود هو أن تتم عملية التعليم / التعلم من خلال استخدام أدوات ووسائل تكنولوجيا المعلومات المتمثلة في المعدات Hardware والبرمجيات Software وقواعد البيانات Database والشبكات والاتصالات Networking and Communication إضافة إلى الأفراد People الذين هم العنصر الأساس، وأن تتم عملية التعليم باستخدام هذه الأدوات سواء أكان ذلك داخل القاعة التدريسية أو خارج الحرم التدريسي (المدرسة أو الجامعة أو …الخ) بمعنى التعليم عن بعد.

وعادة تتم عملية التعليم الإلكتروني من خلال مسارين، يسمى المسار الأول التعليم التفاعلي أو المتزامن. وفي هذا النوع يقوم المدرس بإلقاء المحاضرة أو الدرس ويكون الطلبة في منازلهم وراء أجهزة الحاسوب أو ما شابه، وبحيث يستمعوا الى المحاضرة، وتتم عملية نقاش بينهم وبين المدرس من خلال طرح الأسئلة، وتحفيز الطلبة على طرح الأفكار، وكأن عملية التدريس تتم داخل القاعة التدريسية، خاصة أن التعليم الإلكتروني يتيح للمدرس استخدام العديد من وسائل الإيضاح التي تمكن الطالب من هضم المادة التدريسية.

أما المسار الثاني فيسمى المسار غير التفاعلي أو غير المتزامن، وهو العملية التعليمية التي تتم دون أن يكون الطلبة والمدرس موجودين أمام أجهزتهم في نفس الوقت، حيث يمكن للمدرس على سبيل المثال أن يقوم بإلقاء محاضرته وتسجيلها ثم رفعها على موقع التعليم الإلكتروني المخصص، ويمكن للطالب الرجوع إليها في أي وقت.

ومن وجهة نظري، فإن التعليم التفاعلي المتزامن له إيجابيات، والتي منها حصوله على تغذية راجعة فورية، تعمل على تصحيح المعلومات المشوهة والمفاهيم الخاطئة، في حين أن التعليم غير المتزامن يوفر فرصة التعلم لمن لا يسعفهم وقتهم في حضور الجلسة التعليمية في وقتها المحدد.

مما لا شك فيه، فإن التعليم الإلكتروني، وبخاصة التعليم عن بعد، قد مكّن الكثير من الراغبين في التعلم من تحقيق حلمهم وشغفهم بالدراسة، من حيث تمكين الطالب من حضور محاضراته في الأوقات المناسبة له، بالإضافة إلى أن كلفة الدراسة من خلال التعليم الإلكتروني أقل مقارنة بكلفة التعليم التقليدي داخل الجامعة، الأمر الذي يمكِّن أعدادا كبيرة من الناس من الدراسة، ناهيك عن إمكانية رجوع الطالب للاستماع للمادة التعليمية (المحاضرة) أكثر من مرة وفي أي وقت كان، او في أي مكان يكون فيه، حيث أن المادة التعليمية مسجلة ومرفوعة على موقع التعليم الإلكتروني.

مقابل ذلك، وللموضوعية، يجب القول أيضا إن للتعليم الإلكتروني العديد من السلبيات التي تحول دون أن يحقق الأهداف المرجوة من العمل به، وبخاصة في منطقتنا. ومن هذه السلبيات:

1. صعوبة بعض المباحث، فهناك العديد من المساقات الدراسية التي يصعب على المدرس شرحها، وعلى الطالب استيعابها من خلال استخدام التعليم عن بعد، خاصة وأنها قد تحتاج الى القيام بالتجارب المخبرية أو التطبيقات العملية التي يصعب ممارستها عن بعد، وغيرها من المساقات ذات الطبيعة المشابهة.

2. عدم توافر الأجهزة لدى الطلبة. ففي الدول النامية ما تزال أمية استخدام الحواسيب والتكنولوجيا تحتل مكانة واسعة في المجتمعات، وما تزال الأعباء المالية وتكاليف اقتناء الأجهزة التي يجب أن تستخدم في عملية التعلم عن بعد مرتفعة سواء أكان ذلك على مستوى الطالب أو حتى على مستوى المؤسسة التعليمية، وهذا يعني أن أعداد كبيرة من الطلبة لا يستطيعون التعلم عن بعد.

3. ضعف البنية التحتية. فكثير من دول الدول النامية تعاني من ضعف – إنْ لم يكن من انعدام – البنى التحتية المتطورة اللازمة للقيام بالتعليم عن بعد، مما يزيد من معاناة المستخدِم (المدرس والطالب على حد سواء) بسبب انقطاع الاتصالات وبطء الشبكة العنكبوتية .

4. انعدام التفاعل المباشر. فالتعليم عملية تعتمد على التفاعل المباشر بين المدرس والطالب وبين الطالب وزملائه. وهذا الأمر مفقود في عمليات التعلم عن بعد. فمهما حاول المدرس أن يخلق مثل هذه الأجواء التفاعلية فإن شعور الطالب بالبعد عن القاعة التدريسية والجو التدريسي في مؤسسته التعليمية وعن زملائه سيزيد من حالة الاغتراب لديه، ويقلل من رغبته في التفاعل مع المدرس ومع الزملاء.

5. انعدام التنافس بين الطلبة. فعدم وجود التفاعل المنشود الذي هو أساس العملية التعليمية، وبسبب المعوقات التقنية والزمنية، ستنعدم أجواء التحفيز والدافعية مما يؤدي في نهاية المطاف الى انعدام التنافس الإيجابي بين الطلبة.

6. انعدام صقل شخصية الطالب. فالعملية التعليمية لا تهدف فقط الى تزويد الطالب بالمعرفة والعلوم والمهارات اللازمة فقط، بل تركز أيضا على بناء شخصية الطالب وصقلها، وتشجيعه على الحوار، وتقبّل الرأي الآخر، وهذه أمور كلها سنفتقدها ونحن نمارس عملية التعليم عن بعد، وسنبتعد بالعملية التعليمية عن تحقيق أهدافها الأساسية.

7. صعوبة تحديد الفروقات الفردية بين الطلبة للتعامل معهم وفقها لذلك، وفي ظل الجائحة التي نعيشها لا بد من البحث عن مخارج للحفاظ على العلمية التعليمية / التعلمية، وقد تكون الخطوة الجريئة متمثلة في انتظام العملية التدريسية في المدارس والجامعات ضمن أقصى تدابير الصحة والسلامة العامة، وهي أمر ليس صعبا القيام به .