الرئيسية / أخبار الكليّات / كليّة تكنولوجيا المعلومات / موسم الزيتون لهذا العام تحت مطرقة التغير المناخي

موسم الزيتون لهذا العام تحت مطرقة التغير المناخي

      تتمتع شجرة الزيتون بأهمية اجتماعية واقتصادية وبيئية بدول حوض البحر الأبيض المتوسط الذي تنمو فيه أكثر من 90% من أشجار الزيتون بالعالم. ولا تتطلب أشجار الزيتون المتوسطية كميات كبيرة من المياه للريّ، لكنها “تحتاج القليل منها خلال فترة الإزهار” في الربيع. وفقًا للخبراء، تصبح أشجار الزيتون أكثر حساسًية لتقلبات الحرارة عندما يزهر في شهري نيسان وأيار، وقد يتسبب المناخ الحار في سقوط الثمار قبل نضجها نتيجة الجفاف. ويعتمد إنتاج زيت الزيتون على التوقيت حيث تبدأ الأشجار في التبرعم في شهر مارس قبل أن تفتح الأزهار في شهر مايو وينمو الزيتون خلال أشهر الصيف قبل الحصاد في الخريف.

     يهدد التغير المناخي بتحول بعض مناطق زراعة الزيتون في دول حوض المتوسط ذات المناخ شبه الجاف إلى مساحات جرداء بحلول 2050م. وقد يؤدي ذلك إلى تقلص إمداد زيت الزيتون العالمي بنسبة 17%  بسبب آثار التغير المناخي وفق المعهد اليوناني للزراعة. وسأتناول بايجاز الوضع الحالي لتأثير التغير المناخي على محاصيل الزيتون في كل من قبرص والأراضي الفلسطسنية المحتلة وتونس واسبانيا ولا تتوفر مع الأسف معلومات عن البدان العربية الأخرى لا سيما الأردن بذات السياق.

قبرص

   تشكّل أشجار الزيتون التي دأب سكان قبرص على زرعها منذ آلاف السنين، الإنتاج الزراعي الرئيسي بما يقرب من 11 ألف هكتار حقول زيتون. وقد باتت زراعة الزيتون في قبرص على غرار دول أخرى مهددة بفعل التغير المناخي بسبب سنوات الجفاف المتزايدة وارتفاع درجات الحرارة وموجات الحر التي تؤثر على الإزهار وتشكيل الثمار ونضوجها. وسجل موسم الزيتون حصاداً هزيلا في قبرص عام 2021م بعدما أتت موجة حر مبكر في أيار على السواد الأعظم من براعم وأزهار الزيتون. ولم تفلح جهود المزارعين آنذاك بإنقاذ أزهار الزيتون من خلال سقي الأشجار تكراراً ومراراً ولا تبدو 2022م أفضل من سابقتها بذات السياق.

      إضافة إلى ندرة المياه  فقد باتت موجات الحر تسجَّل في أوقات أبكر سنويا خلال فصل الربيع الآخذ في الاحترارفي قبرص. وقد وصلت الحرارة في جزيرة قبرص هذا العام إلى 40 درجة مئوية منتصف أيار، واستمرت عند هذا المستوى خلال أشهر الصيف. ويسعى المزارعون لتحسين “جودة التربة” حيث تقلل التربة السليمة حالات التعرية وتزيد القدرة على الاحتفاظ بالمياه مما يخفف من تأثير الجفاف. وتشير التقارير الرسمية أن 43 % من الأراضي القبرصية تواجه خطر تصحر حرج. وقد تتوسع رقعة هذه الأراضي إلى 52 % بحلول منتصف القرن الجاري، وفق الدراسة التي تستند إلى السيناريو الأكثر تشاؤما لخبراء المناخ في الأمم المتحدة. ويتجنب المزارعون الحراثة التي تزيد خطر التعرية وتؤدي إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون الذي تمتصه التربة ويستخدمون الريّ بالتقطير لترشيد استهلاك المياه.

الأراضي الفلسطينية    

   ارتبطت الذاكرة الفلسطينية بأشجار الزيتون على الدوام وتعد رمزًا للتراث والهوية الفلسطينية. تستخدم ثمار الزيتون كطعام وكذلك لإنتاج زيت الزيتون والصابون ومستحضرات التجميل وغيرها. ويعد موسم حصاد الزيتون – في تشرين الأول تشرين الثاني من أهم أوقات العام بالنسبة للقرويين والمزارعين في أجزاء من الضفة الغربية المحتلة وغزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ يعتمد الكثيرون على حصاد الزيتون كمصدر أساسي للدخل. وقد تناقص هذا الحصاد في السنوات الأخيرة، ليس فقط بسبب اقتلاع قطعان مستوطني الإحتلال لأشجار الزيتون ومنع المزارعين من الوصول لحقولهم، بل نتيجة المناخ القاسي وارتفاع درجات الحرارة الذي جعل من الصعب نمو أشجار الزيتون ونضج ثمارها.

وقد تراجع عام 2020م إنتاج محصول الزيتون بالضفة الغربية بنسبة 55%، بسبب تغير أنماط الطقس والأمطار غير المنتظمة. وحسب تقرير لمنظمة أوكسفام في 2021م فإن ارتفاع مستويات الرطوبة وقوة الرياح نتيجة تغير المناخ ساهم في زيادة الضغط على أشجار الزيتون في غزة.

تونس

       تنتج الأراضي التونسية زيت الزيتون منذ ثلاثة الاف عام وتملك حالياً أكثر من 80 مليون شجرة زيتون تقع 80 % منها وسط البلاد حيث المناخ شبه الجاف وفي الجنوب حيث المناخ الجاف. ويعتبر تصدير الزيتون “الذهب الاخضر” أحد أعمدة الاقتصاد في تونس . واضطر مزارعو  تونس بالسنوات الأخيرة لري الاشجار على نفقتهم الخاصة، لان الامطار لم تكن منتظمة. وبدى المشهد مختلفا بالسنوات الأخيرة بفعل التغيرات المناخية، وشاهدنا تقلب محصول زيت الزيتون من عام  لآخر كتقلبات الطقس في معظم الأحيان. ويرجع خبراء البيئة التونسيون هذا الامر الى التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة وتتالي سنوات الجفاف. وقد نضبت مياه بحيرة جبلية بسبب الجفاف بعدما كانت وزارة الفلاحة اقامتها لخزن مياه المطر بهدف استعماله في ري اشجار القرى المجاورة. وما يزيد الطين بلة تكرارهطول امطار طوفانية في عز الصيف تجرف التربة وتضر بالاشجار ما يجعل المزارعون ينفقون مزيدا من المال  لمقاومة الانجراف. وقد يتراجع بحلول سنة 2030 انتاج حقول الزيتون في هذه المناطق بنسبة 52 في المئة بسبب ارتفاع درجات الحرارة المتوقع، وارتفاع حدة تتالي السنوات الجافة، بحسب دراسة حديثة اعدتها وزارة الفلاحة التونسية والوكالة الالمانية للتعاون الدولي. ويعتبر ذلك “كارثي” بقل المقاييس من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية لان فلاحة الزيتون مورد أساسي لنحو 390 ألف مزارع من أصل 560 الفا في تونس.
وتمثل زراعة الزيتون مورد رزق لنحو مليون تونسي (حوالى عشر سكان البلاد) من فلاحين وعمال واصحاب معاصر وشركات تعليب الزيت وتصديره. تونس كما معظم دول حوض البحر الأبيض المتوسط ليست دولة ملوثة للمناخ، ومع ذلك فهي تدفع فاتورة التغيرات المناخية التي تسببت فيها الدول الصناعية الكبرى.

إسبانيا

      عرفت أشجار الزيتون على سفوح تلال الأندلس المشمسة، أقصى جنوب إسبانيا ، منذ أيام الإمبراطورية الرومانية. ويصل عددها اليوم حتى 300 مليون شجرة زيتون مزروعة في صفوف مرتبة بعناية تغطي 2.5 مليون هكتار ، وتشكل منظرًا طبيعيًا فريدًا يعرف باسم “بحر أشجار الزيتون”. وتنتج اسبانيا حالياً ثلث زيت الزيتون في العالم وتعتبر من أكبر منتجي زيت الزيتون في العالم ، وفقًا للمجلس الدولي للزيتون. وكما تعتبراليونان وإيطاليا والبرتغال من كبار المنتجين أيضاً.

       يهدد تغير المناخ مزارعي الزيتون باسبانيا، فقد تسببت درجات الحرارة الحارقة والقصور الشديد هذا العام في هطول الأمطار في خسائر فادحة عام 2021م ويتوقع انخفاضه بنحو 40٪ هذا العام بسبب الظروف الجوية غير العادية. وحطمت في يوليو من هذا العام درجات الحرارة الأرقام القياسية لتصل إلى 40 درجة مئوية عبر أجزاء من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال. ودفعت بحلول أوائل أغسطس، الحرارة الشديدة وقلة الأمطار ما يقرب من ثلثي الأراضي في الاتحاد الأوروبي إلى ظروف الجفاف، وفقًا للمرصد الأوروبي للمناخ. وقد تضرر منتجو زيت الزيتون بشدة العام الماضي في اسبانيا ويتوقع حدوث انخفاض كبير يتراوح بين 33٪ و 38٪ في حصاد زيت الزيتون الإسباني الذي يبدأ في أكتوبر لهذا العام.

      وتشير دراسة قام بها باحثون من جامعة قرطبة في إسبانيا أن الجفاف المتزايد والشتاء الأكثر دفئًا سيحدان من مساحة الأراضي المتاحة لزراعة أصناف الزيتون ذات الصلة تجارياً ، مما يقلل الإنتاج بنسبة 30٪ على مستوى  العالم قبل نهاية القرن. ووجد الباحثون أن العامل الأكثر أهمية الذي سيقلل من إنتاج الزيتون هو تقليل هطول الأمطار وفقدان رطوبة التربة. ومن المتوقع أن تفقد خمس من ثماني مقاطعات أندلسية إنتاج الزيتون.

  يبقى أن ننتظر مدى سوء موسم حصاد   2022م لا قدر الله حسب  توقعات وزارة الزراعة الأمريكية الشهر الماضي انخفاضًا بنسبة 14٪ في الإنتاج العالمي من زيت الزيتون لعام 2022م وحسب أحدث التقارير التي بثتها محطة ال CNN  التلفزيونية وصحيفة News week.

     يواجه مزارعو الزيتون بلا شك واحدة من أصعب الفترات التي مرت على حقولهم على الإطلاق بسبب الطقس المتطرف واختناقات سلسلة التوريد وارتفاع تكاليف الطاقة التي أججتها الحرب الأكرانية الروسية في ضغوط غير مسبوقة. ويبدو أن خبراء البيئة ليسوا متأكدين تمامًا من مصير أشجارالزيتون شديدة التحمل في ظل التغير المناخي. وبينما يميل معظم صانعي السياسات لا سيما بالبلدان العربية إلى التفكير على المدى القصير، يتفاقم تأثير التغير المناخي غير مبال بنا إلى  المدى الطويل.